بلغنا أن سلمانَ الفارسيَّ لمّا اشتعلت النارُ في بيتِه حملَ سيفَه وخرجَ وقال : " هكذا ينجو المُخِفّونَ" ،  فتخفّفْ. 

والخِفّةُ بابٌ في شظيةٍ  من القلبِ  تدخلُه ريحُ الجنوبِ في الصيفِ وريحُ الشمالِ في الشمال ولا يُغلقُه سوى الهيام . وهيَ كما أوردَ ابنُ رُشدٍ : كبِدُ الضوء و سلطتُه على الماءِ والترابِ والهواء؛  فما موجودٌ يعرفُ موجوداً سوى بخفَّتِه ولا يلتئمُ إلا خفيفٌ بخفيف. يقولُ ابنُ معشوقٍ في الدرة والتحفة   ،  رسائلُ في سلطان الخفة   : 

يخلقُ اللهُ في كلّ جارحةٍ جناحان  ، للّسانِ جناحان ، و لليدِ جناحان ، وللعين جناحان و للأذنِ جناحان ، وكذا لسائرِ الجوارح.  حتى إذا خلقَ اللهُ  القلبَ جعلَ منابتَ تلك الأجنحةِ فيه.  فيهوى الرجلُ  ، أي تميلُ نفسُه فيفقدُ جناحي عينيه ، وتتعلّقُ المرأةُ فيحدثُ لها مثلُ ذلك. ثمّ يتكلفان كلفاً  أي يشتدّ حبّهما فيفقدا جناحي عقلهما ، ثم يعشقان فيفقدا جناحين  ثم يقعان في الجوى فيفقدان مثلهما ، ثم التبل فالصبابة فالكمد و جناحاه اليدان لا يصنعان بهما سوى بعضهما ثمّ الغرامُ وجناحاه في الكبِد ، ثمّ  الرسيسُ وجناحاهُ القدمان ثمّ الرأفةُ وجناحاها الدموع ثم الصبوة ثم الكآبةُ وهي شدة الحزن والبكاء بلاسبب وجناحاها الخدان ثم الغِلُّ ثم الخبلُ وجناحاه في الذاكرة حتى إذا بلغا الجزعَ وهو أعتى الحبِّ  إنقصّ القلبُ من الثقلِ و انسدّت الخفةُ عنهما فلا يطالانها ولاتطالهما، حفظنا  الله و حمانا. إنتهى كلامُه. 

فصل 

مرّ الله يوماً على طائرٍ فقال: 

لو كنتُ خلقتُكَ قلباً ، فقلب ُ من؟! 

قال الطائرُ : 

الغجريّ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة