synesthesia
أن تبتلع الموسيقى ، تتذوّق المَلامِس ، أعني الملمس نفسه وبالذات ، أن تسمع الحائط ، تشتمّ وترى المفردة ، كل هذا بلامجاز وحرفيّاً بلاتوسُّط ، يبدو طيراناً أعلى قليلاً فوق هذه الأجساد الراكدة إن لم يبدُ تعبيراً شعرياً فاحشاً وخطفاً ذريعاً عن الممكن لكنَّ هذا ما حدث لك على مدارِ الطفلِ الذي أفسدتَه ، لقد كنتَ - أيُّها المصْلُ التافهُ الآن – حرائقاً تتفلَّت ، كنتَ هذا وأكثر .
يبتهجُ السيكولوجيُّون مؤخَّراً باكتشاف (حالةٍ نفسانيةٍ) جديدة - وبفخرٍ مبالغٍ فيه كالعادة - يحتفلون بإعلانِ ماأسمَوه بالـ (سيناستيجيا) وهي بتلخيصِهم المخلِّ كعادة العلم نوعٌ من اختلاط الحواس ، والحالات التي يدرسونها ثم التي انتبهَت فأعلنَت عن نفسها لاحقاً - هذا لأنَّ (المصابين) بهذه القدرة يندهشون حين يعلمون انَّ الآخرين لا يشاركونهم إيّاها - أقول أن هذه الحالات كانت لفتياتٍ يرَين كلماتِ المحاضر وبالألوان مثلاً – هنالك فتاةٌ أتقنت ست لغات حية في شهور- أويشعرن طعوم اللبن المبستر في حلوقهنّ عند سلّمٍ موسيقيٍّ معين ،أيضاً لفتيانٍ يتذوقون الحديد بأيديهم ويشتمُّون الكلام حديقةً ، مفردةً ، إلى آخر هذه القدراتِ من نوع "أسمع ريحتك بي عيني" ، ثمَّ بوقاحةٍ غير مسبوقةٍ يُذكِّرُنا"الوسطُ العلميُّ" من تحت منظارِه الطبيِّ أنَّنا نمتلِكُ هذه القدراتِ فعلاً مادمنا أطفالاً وحتَّى البلوغ ، في اللحظةِ التي تتمكَّنُ فيها سلطةُ القطعان الناجزة من التفريق بيننا وأجسادنا الشخصية مانحةً إيّانا الأجساد المستعملة مرةً وإلى الأبد ، ثمّ مع الفرحةِ بهذا الإمكان الجديد يعلنون مرةً أُخرى وبدونِ خجلٍ أيضاً أنّ فنانين مثل بيكاسو وبونابارت ، بيتهوفن وباخ (يعانون) من نفسِ المتلازمة ، ألا يذكِّركم هذا بالإشارات إبّان " اكتشاف " التوحُّد إلى كارافاجيو والبقيّة ؟! ثمَّ ألا تكفي هاتان الحالتان ليكُفَّ علمُ القطعانِ هذا عن حشرِنا داخل أبعاضِنا بهذا العسْف فقط ليروِّج لسذاجاتِ الوحدة الإنسانيَّة وفضائل / حماقات الشفقة والقيمةِ الإنسانويَّة ،على شاكلةِ أنّ هذا أخوك وبشريٌّ – ياللعار – مثلُك ؟!
لَشَدَّ ماجذبتني التشابهات المورفولوجيّة بين أسدِ البحر وأسدِ البراري ، فيل البحرِ وفيَلةِ الأدغال ، كلب البحر ، وكلب الشارع اليوميّ الى آخرِ هذا الوجود والوجودِ الموازي ، ألا يدعو ذلك إلى أن نتخيّل لحظةً قديمةً جداً ؟ لحظةً كان فيها مفهومُ الفيل ، أعني الفيل قبل التحقُّق- حتى لا نتأفلط - أي لا البريّ لا البحري ، ومفهوم الأسد ومفهوم الكلب ، ومفهوم البشريّ ، .. الخ كانت كلُّ هذه المفهومات في نقطةِ تفرُّعين بيئيين هائلين باتجاهي البحر واليابسة فقفز الأسدُ إلى الأدغال ، وقفز إلى البحر ، وقفز الفيلُ إلى الأدغال وقفز إلى البحر ، كذلك الكلب ، إلّا أن الإنسان الرعديد آثر اليابسة كعادتِه ، ولو سجد هذا الأحمقُ لــ "بوسيدون " لقتله كما فعل الجميعُ بآلهتِهم ! هذا بالنسبةِ لفضاءين فقط من الوجود : البحر / اليابسة ، فما بالُك ببقيّة مجلس الأولمب !! لقد تحرّك الأسدُ في البحر، قاتله وقاتله ، حتّى أخذ هيئته وجداراته هذه على البحرِ وتحرّك على اليابسة وفعل نفس الشئ ، كذلك فعل الفيلان والكلبان العظيمان ولم يكُن ذلك بالأمرِ الذي ينالُه أيُّ حيوانٍ "هامل " بالتالي ليس الإنسان ! - (أسطورتي الصغيرة هذه ربما تساعدُ أسطورة "داروين " في فكِّ طلسمِ فجواتِ الأحفوريّات عبر اقتراحِ وجوداتٍ موازية كأكوانِ "ساقان " ، أو تمنحُ أساطير الرسل نبيّاً جديداً أو تنزلُ الحوريّاتِ من الجنة قليلاً ، أنتم مُخوّلين في استخدامِها حسب ضعفِكم ) - لِنَعُدْ ؟! حسناً ، هل يمكنُك تخيّلُ إنسانِ بحر؟؟!! طبعاً لا ، البحرُ للفاتحين ، لأنبلِ الحيوانات إطلاقاً ، للأقوى ، للإستحقاق ، إنَّ الــ تيولا تعمِّرُ آلاف السنين ، تقهرُ الموتَ بلامجاز ، وهل نالتْ هذا بلا استحقاق؟! هل نالتْه عبر التفافاتٍ من نوعِ حقوقِ الأسماك أو ابتزازِ عواطف القرش والحيتان ؟ أبداً ، لقد تشكّلتْ ، حوّلتْ الــ "جِيلي فِيش" الصغيرة عديمة القيمة والتي كان يمكنُ أن تصبح بطلة "بورنو" بحريّ ، إلى أفتك الضواري البحريَّة إطلاقاً ، إنّ القرش يفترس إخوانه في بطنِ أمِّه أيُّها الطيِّبون ! ثمّ ماذا؟ يقفزُ من بطنِ أُمِّه إلى البحرِ مباشرة هاتفاً : مرحى ، إنّها الحياة ! في المقابل ما الذي فعله الإنسانُ الناجي ؟! لقد اختبأَ بجُبنِه المعهود خلف المادّة ، لقد قاتلَتْ عنه ، لم يفعل البشريُّ طوال وجوده سيئ السمعة على اليابسةِ شيئاً جوّانيّاً ، شيئاً يغيِّرُ من ضعفِه الفسيولوجيِّ وجسدِه المُزري ، لم يطوّر مخالباً ، فرواً ، لم يطِرْ ، لم يــُ ماذا؟؟! لا أدري لأنّ حتى الخيال الإنسانيّ لا يشكّلُ سوى الإمكانات الساذجة ، إمكاناتِ المحاكاة ، لأُخرج نفسي من هذه الورطة سأقولُ بتعميمٍ ساذج : أنه كان يمكنُ أن يتغيّر فسلجياً بالكامل بشكلٍ لن يمكنه الآن - بعد كلِّ هذه الاستنساخات - أن يستوعبه ، وماكان سيندهشُ بهذه القفزاتِ الهزيلةِ التي تحدث بين الألوفِ من السنواتِ بصدفةٍ تجودُ عليه بها الطبيعة كهذه السيناستيجيا السهلة ، لكنّه آثر سلامة العبيد الشهيرة ، فبدلاً من مكافحةِ الضواري بالأنيابِ والأظافر – طبعا" كان سيمتلكُها بلا شك - عمدَ إلى أنيابِ الأرض ، وبدلاً من هزمِ البردِ بتطوير الجلدِ والشعرِ ثم الفراء عمد إلى خدماتِ النبات و انتزاعِ استحقاقاتِ الآخرين ، بالتالي تكريسِ حوجتِه وضعفه بدونِهم ، وبدلاً من تطويرِ الخفّةِ والطيران ذهب إلى الألمونيوم الخ استذكاءات الحمقى هذه التي كلّفته صعوده كلّه بحيثُ أصبح الآن مزرياً يَقتُلُه طُفَيلٌ لا يساوي شيئاً في حسابِ أقلِّ العناكب ولا يستطيعُ أن يراه بعينِه حتى بل بأعينٍ استلفها ذليلاً من المادةِ حولَه ، ثمّ يأتي هذا الكائنُ طويلُ المراهقةِ ليتبجّح بأسطورةٍ لا تتسقُ إلّا مع عقلِه التافه ويزعُمُ أنَّه الكائنُ الأرقى مستنداً على حجةٍ تصلح نكتةً لصغارِ الضواري أكثر منها وهماً علمياً ، أنّ ( البقاء) للأقوى / الأصلح وأنّه مادام هو الأصلح / الأقوى فهو النوع الباقي وبالعكس ، ونكتةُ هذه الفرضيّة في مفردةِ (بقاء) بالذات والتي لا أظنُّ أنه يعني بها سوى الحياة بالمعنى الشعوري - وإلّا فإنَّ أصغر قطعة مادةٍ معمرة ستطالبُ بهذا الوصف – أقول أنّها الحياةُ بالمعنى الشعوريِّ لكن من الذي يحيا فعليّاً؟ الإنسانُ أم أطرافُه الصناعيّة على الأرض؟ لقد نبّهنا "هيجل" بحق إلى أنَّ الإنسان القديم كان أكثر حميميّةً مع أدواتِ إنتاجِه اليوميَّةِ لأنّه يصنعُها بنفسِه ، أي يحِسُّها ويفهمُها كجزءٍ من نفسِه مادام هو من أنشأها ، بعكسِ الإنسانِ الحديث الذي لا يبذلُ جهداً في صناعةِ مواده الحميمةِ والقريبةِ فيشعرُ بالغربةِ والموت إزاءها ، لكنّ "هيجل" الورِع لم يرفع رأسه أعلى قليلاً ليتطلَّع إلى هذه الأشياء كجزءٍ من مكوِّنِ الإنسانِ الجسديِّ نفسِه ، لم يرفع رأسه ليرى إنساناً محلِّقاً فوق "يسوع" لا نسراً من الألمونيوم يبتلعه في أحشائه مصاباً بدوّارِ الجوّ .
إنّ الحياة بالمعنى الشعوريِّ تكادُ تكونُ منعدمةً بين أفرادِ النوعِ البشريِّ تماماً ، من الذي يجري؟ هل هو البشري خدلج الساقين ؟ طبعاً لا ، إنّها المادة ، إنها السيّارات ، الوحوشُ التي تنمو ببطء ، من الذي يطير تحت الغلاف الجوي وفوقه ؟ إنها البوينج والنسرُ الكونيُّ أبوللو ، من الذي يفكّر؟ إنّها الحواسيب ، من الذي يمارسُ الجنس ؟ إنّها الفياغرا ومن ومن؟ الخ ، لذلك يتذمّرُ البشرُ من قصرِ الحياةِ بحق ، إنّ الحياة هي القفزُ في الهاوية ، هي استبدالُ الأوردةِ بالثعابينِ وبالعكس ، هي الأذرعُ العاريةُ والصدورُ المفتوحةُ للمجهول لا هذه الدالةُ المتنبّأُ بها كليّاً ، إنَّ حياة البشر ليست قصيرةً أبداً ، هي لا تبدأُ أساساً .
مرّةً أُ خرى وتمادياً في السذاجةِ الأولى يتحدّثُ البشرُ عن نوعٍ مغايرٍ من الطفرةِ (التطوّريّة ) ، هذه المرة - ولدوافع شخصيّةٍ في المفترضين يسوقُها الغرورُ هي الأُخرى طبعاً – يتحدّثُ البشرُ عن الطفرةِ الذهنيّة ، أنَّ الطفرة القادمة لن تكونَ على الصعيد الفيسيولوجي بل الذهنيّ قالبةً قانون الطبيعةِ نفسِه – الشئ الوحيد الذي كانت أسطورةُ "داروين " على حقٍّ فيه - قالبةً إيّاه رأساً على عقب ! بحيثُ تنتجُ حيوانات ٍ متآخية نزوعها الدائم صوب العدالة والإخاء الإنساني والعدالة الإجتماعيّة الخ هذا الهراء الإخلاقيّ ، هؤلاء السُذَّج لا يدرون أنَّ هذه الطفرات تحدث يوميّاً وبشكلٍ دائمٍ ولكن ليس للبشريّ ، إنّها تحدث في المادة التي يطوّعُها بحيثُ توازي كلُّ قفزةٍ تِقنيّةٍ اضمحلالا" جسدياً بشرياً وبمعدّل يكادُ يكونُ ثابتاً ، لقد نقل الإنسانُ كامل قدرتِه على التطوّر- إن كانت له - والقفز على جسدِه المثيرِ للشفقةِ حتى الآن للمادّةِ من حولِه ، وإنَّ ما تتعاملُ معه السينما كمادةٍ للخيالٍ العلميِّ في أفلامٍ مثل " التيرمنيتور" لا يمكنُ استبعادُه مطلقاً مادام الإنسانُ – هذه الحلقة المراهقةُ في الكائناتِ العضويّة – قد قررت ترك جسدِها إلى الأبد والبقاء في الخارج ، فمن سيُحاولُ إنقاذها - بعد كلِّ هذه العنجهيّة - من نهبِ المادّةِ المُسلّح ؟!
تعليقات
إرسال تعليق